في وسط كل هذا الصراخ والصياح والنعيق المباح وغير المباح المنادي باشعال الحرائق وقيام الثورات . لابد ان نتريث ونبحث عن العقلانية حتى لا نتحول الى وقود لا شعال الحرائق التي قد تحرق الاخضر واليابس ولن يستطيع احد اطفائها وسوف تحرق حتى الذين اشعلوها. وحتى لا نساهم في تعميم الفوضى مما يتسبب في خراب بلداننا وضياع اوطاننا . لأن الكاتب مثل قائد السيارة ان كان عاقلا يقود الركاب للوصول الى اهدافهم بالسلامة والامان وان كان ارعنا يقودهم للضياع والهلاك . كما ان عليه ان يعلم ان الرعونة لا تؤدي الا للهلاك المحتوم . لذلك قبل ان نهّيج الشعوب ونطالبها باشعال الثورات علينا ان نستفيد من التاريخ لأن (التجربة هي خير برهان ) .وحين ننظر في التاريخ نجد ان الامثلة كثيرة جدا وتفاصيلها اكثر . ولسنا بصدد سردها . الا اننا لونظرنا نظرة سريعة وعامة الى بعض الثورات فسنخلص الى نتيجة واحدة .. سنجد ان الثورة الروسية التي قامت عام 1917 ضد القيصر (نيقولا الثاني ) او( نيكولاس الثاني ) هذه الثورة تبعها فورا (كتابع زلزالي ) الثورة البلشفية التي طبقت النظام الاشتراكي واعدمت القيصر (نيقولا) وعائلته ( ال رومانوف)ثم كان من نتائج الثورة البلشفية قيام حرب اهلية دامت ما بين ثلاث سنين واربع سنين( وليس سنوات كما يخطئ البعض املائيا) حتى عام 1921 ثم بعد ذلك تم انشاء الاتحاد السوفييتي في عام 1922 الذي بدأ باربع جمهوريات وانتهى الى 15 جمهورية وبعد حوالي 70 سنة تفكك الاتحاد السوفيتي وفشل النظام الاشتراكي الذي جاءت به الثورة البلشفية فشلا ذريعا واصبحت البلشفية لعنة ومسبة . اي ان الشعب الروسي ظل سبعين سنة ليكتشف فشل الثورة البلشفية . ولننتقل الى عام 1952 فقبل هذا التاريخ كانت مصر تعيش في ظل الحكم الملكي حيث كانت الاحزاب السياسية المصرية تعيش ازهى عصورها والصحافة المصرية تنعم بحرية قل مثيلها وكان الجنيه المصري اغلى من الجنيه الاسترليني ناهيك عن الدولار ولا تجد عامل مصري يعمل في دولة اخرى .ثم قامت الثورة عام 1952 وهي الثورة المعروفة بثورة يوليو واخذ الجميع في شيطنة الملك فاروق وتشوية صورتة واتهموه بابشع انواع التهم ووصموه بكافة الموبقات . وصبّو عليه شتى انواع اللعنات وانساق الشعب المصري وراء شعارات الثوار وصراخهم وصيحاتهم ووقف الشعب المصري بكل فئاته مع الثورةالمجيدة ومن وراءه الشعب العربي . وتحول الشعب الى عازف اناشيد للثورة والثوار . والان بعد 58 سنة هاهو حزب الوفد الذي كان من اعظم الاحزاب في العهد الملكي اصبح الان لا قيمة له ولا يتذكر احد اسم رئيسه كما ان بقية الاحزاب اصبحت كعصف مأكول والجنيه المصري انحدر الي الهاويه وهو الان في انحدار دائم والشعب المصري يجازف بحياته هاربا عبر البحار الى شاطئ اخر او الى اعماق البحر او الى بطن القرش . فماذا استفاد الشعب المصري من ثورة يوليو بعد 60 سنة على قيامها وما هي المنفعة التي جلبتها لهم ثورة يوليو المجيدة . و الشعب المصري الان لم يعد يبحث عن جلب المنفعة بل هدفه الان هو دفع المفسدة . وحين تتوجه من مصر جنوبا الى السودان الذي يحكمه الرئيس جعفر نميري طوال عهد السبعينات وحتى منتصف الثمانينات كان السودان قويا وموحدا واقتصاده قويا والجنيه السوداني له قيمته حتى عام 1985 حين قامت انتفاضة شعبية انتهت بلجوء نميري الي مصر .فماذا حدث للسودان بعد تلك الاتنفاضة الشعبية السودانية ؟ لقد ضاع السودان وضل الطريق واصبح المواطن السوداني يبحث عن عمل في كل دول العالم بارخص الاجور واصبح الجنيه السوداني في الحضيض بعد ان انهار الاقتصاد السوداني تابعا لانهيار الدولة السودانية ككل ولم تقم لها قائمة حتى صباح الغد . واصبح المواطن السوداني يترحم على جعفر نميري وعلى ايام جعفر نميري !
وان اردنا اكثر الامثلة وضوحا واقربها زمنا فلن نجد افضل من الثورة البرتقالية .وما ادراك ما الثورة البرتقالية . فقد راينا جميعا الشعب الاوكراني في عام2004 وقد خرج عن بكرة ابيه داعما بقوه للمعارضة ومؤيدا (لفيكتور يوشينكو ) الذي كان يعدهم ويمنيهم بالازدهار الاقتصادي والنظام الديموقراطي والانفتاح على الغرب فتحول في نظر الشعب الاوكراني الى بطل قومي يجب مناصرته بشتى الطرق فثار الشعب الاوكراني ضد الرئيس فيكتور يانكوفيتش وملأو شوارع كييف العاصمة وبقية المدن الاوكرانية متحدين يانكوفيتش ومعه البرد القارص والثلوج المتساقطة في ذلك الشتاء.وظلو صامدين ثائرين في ظل تأييد عالمي حتى تم لهم ما ارادو واسقطو الرئيس( فيكتور يانكوفيتش ) (الخائن العميل للروس !!) وبعد تولي يوشينكو الرئاسة تبخرت امنيات الشعب الاوكراني واحلام الثورة البرتقالية وذهبت وعود (يو شينكو) ادراج الرياح . وبدأ الشعب يترحم على ايام يانكو فيتش وفي العام الماضي (2010) خرج نفس الشعب وانتخب الرئيس السابق (يانكوفيتش) واسقط البطل الورقي ( يوشينكو) في انقلاب شعبي واضح على الثورة البرتقالية .فاكتشف الشعب الاوكراني فشل الثورة بعد ست سنين (سنين جمع سنة وسنوات جمع سنوة) ولكنه استطاع اصلاح الخطأ . والامثلة كثيرة وكثيرة والتفاصيل اكثر واكثر لكن خير الكلام ما قل ودل فهذه بعض تجارب من سبقونا اما الفلسفة السفسطائية والشعارات والصراخ والصياح لا يستدل به على التجارب العملية لأن التجربة هي خير برهان . ولأن المثل الشامي يقول ( اللي يجرب المجرب عقله امخرّب ) وفي هذا المثل الشامي اختزال للموضوع بالكامل .
بورفاد العليي الكناشي السليمي القيسي