بداية أنني لا اريد أن اقارن بين الشخصين بصفتهما الشخصية لأن هذا لا يحق لي ابدا كما ان الشخصين لهما من القدر والاحترام مالهما ، ايضا هذه ليست مقارنة بحثية ولا علمية ولا نظرية ولا اكاديمية ، هي فقط مقارنة سياسية محدودة خاصة بموقف كل منهما من ثورة شعبه ، والمقصود ببرهان غليون هنا المجلس الوطني السوري المعارض للنظام والمقصود بمصطفى عبد الجليل هنا المجلس الانتقالي الليبي ، فمصطفى عبد الجليل رجل متدين وطيب الى اقصى الحدود وهو معروف في بلده (البيضاء) وفي قبيلته ( البراعصة ) بالطيبة البالغة ولكنه اثبت للجميع أن الطيبة ليست في الاتجاه المعاكس للفطنة والذكاء ، لذلك مارس السيد مصطفى عبد الجليل ادارة سياسية ذكية جدا للثورة الليبية ، فاول ما قام به السيد مصطفى عبد الجليل هو انشقاقه عن معمر القذافي منذ اليوم الاول للثورة الليبية وهو 17 فبراير 2011 وكانت هذه مجازفة كبيرة جدا وهي بالتأكيد عملية فدائية وانتحارية كان من الممكن ان يفقد فيها مصطفى عبد الجليل كل شئ ويدفع فيها اقاربه ثمنا باهظا ، وهذا بالتأكيد يدل على صدق الرجل واخلاصه للثورة كما انه كان اول مسئول ينشق عن معمر القذافي ولم ينتظر النتائج ليتخذ موقفه ، لذلك رأينا كيف رصد معمر القذافي مكافأة كبيرة لمن يقوم بتسليم مصطفى عبد الجليل او قتله . ايضا ما تميز به مصطفى عبد الجليل انه لم يسير امام الشعب الليبي الثائر ضد معمر القذافي ولكن سار خلفه فكان راعيا له وليس مزايدا عليه ولا قائدا له بل كان منقادا معه وفي نفس الوقت راعيا له وهذا مالم يفعله برهان غليون ولا المجلس الوطني السوري كما سنرى مع الاسف ،
واهم ما ميز مصطفى عبد الجليل انه اتجه نحو الاتجاه الصحيح في حماية الشعب الليبي من مذابح معمر القذافي ، فمصطفى عبد الجليل ادرك منذ الوهلة الاولى أن لا امل يرجى من الدول العربية ولا رجاء ينتظر من جامعة الدول العربية كما ان الادانات وتوجيه الدعوات والخطب المثيرة للغثيان لن تفيد الشعب الليبي بشئ والشعارات الفارغة لن تحمي الشعب الليبي من صواريخ معمر القذافي فلم يضيع وقتا واتجه فورا نحو شمال البحر الابيض المتوسط وطالب بحماية دولية فورية للشعب الليبي وهو بالضبط ما حدث وتم انقاذ الشعب الليبي من مذبحة رهيبة ، ولم يبالي مصطفى عبد الجليل بمن هم مصابون بفوبيا الاستعمار وفوبيا المؤامرة والزاعقون بالشعارات الجوفاء والناعقون بالهتافات التي نحرت جمال عبد الناصر وناصريته ، هذا بشأن مصطفى عبد الجليل والمجلس الانتقالي الليبي ،
أما السيد برهان غليون فهو اقرب للاديب او المثقف او الشاعر منه الى السياسي المحنك ، لذلك نجده يطرب كثيرا للخطب والبيانات وبما أن اكبر مصنع منتج للخطب والبيانات في العالم هو بلا فخر الجامعة العربية فلذلك قام السيد برهان غليون او قل المجلس الوطني السوري بتسليم الثورة السورية المجيدة للجامعة العربية لأصدار الخطب والبيانات والقرارات والدعوات وكل ما يخص الحنجرة والاحبال الصوتية من افعال ، كما ان المجلس الوطني السوري بدأ متاخرا جدا وبدأ منقسما على ذاته وبدأ من خارج الثورة السورية وليس من داخلها ، واكبر اخطاءه هو السير امام الشعب السوري وقيادته الى الاتجاهات الخاطئة وهو عكس ما فعله الانتقالي الليبي تماما ، فالمجلس الوطني السوري الذي استقبله الشعب السوري بترحاب بدأ بلاءات ثلاث اشبه بلاءلات الخرطوم الشهيرة الفاشلة واللاءات الثلاث هي ، لا للتدخل الدولي ، لا للعنف ، لا للطائفية ، فمقولة لا للتدخل الدولي اقرب ما تكون للادب والثقافة منها للسياسة ، لأن السياسي المحنك لا يعطي ضمانات لخصمه بهذه السهولة ابدا ، فحتى لو كان يرفض التدخل الدولي بينه وبين نفسه فعليه أن يعلن ان كل الخيارات متاحة حتى لا يقدم ضمانات لخصمه ، ولذلك رأينا النظام السوري كيف ازدادت قسوته بعد اللاءات الثلاث وكذلك بعد الفيتو الروسي والصيني في مجلس الامن ، لذلك في السياسية لا يجوز ابدا اعطاء الضمانات الا عن قصد من اجل الوصول لهدف معين ،
ايضا من الواضح أن برهان غليون ومن معه في المجلس الوطني السوري يخشون من الاتهامات بالعمالة وجلب الاستعمار أن هم رضو بالتدخل الدولي في سوريا وهذا خطأ كبير أن تحافظ على تاريخك وسمعتك على حساب دماء الابرياء من الشعب السوري ففي مثل هذه الظروف لاتوجد خيارات بلا ثمن فلابد من دفع الثمن والمجازفة من اجل حقن دماء الشعب السوري .
اتمنى ان يصل كلامي هذا الى برهان غليون او الي احد اعضاء المجلس الوطني السوري واقول لهم استفيدو من تجربة المجلس الانتقالي الليبي فليس عيبا ان تستفيد من تجارب الاخرين خصوصا وان بشار الاسد تجاوز ما فعله معمر القذافي حين تدخل الناتو في ليبيا ويكفي ان عدد الاطفال الذين قتلو على يد النظام السوري قد تجاوز المئتين وفقا لما اعلنته الامم المتحدة منذ اسابيع وأن المجزرة مستمرة وتزداد بشاعتها يوما بعد يوم ، لذلك فعليكم يا اعضاء المجلس الانتقالي الارتقاء الى مستوى الثورة السورية بدل ان تقودو تلك الثورة العظيمة والنادرة الى مقبرة الجامعة العربية الا لو كنتم تعملون مع النظام السوري على اجهاض الثورة السورية ، كما أن طلب التدخل الدولي اشرف الف مرة من توسلاتكم للعرب أن يتدخلو وانتم تعرفون جيد ان العرب اموات غير احياء ولو سمعوكم ما استجابو لكم ولو استجابو ماذا تظنونهم فاعلون هل سيحاربون بشار الاسد وانتم تعلمون انه اقوى منهم جميعا ،
وقد يقول قائل أن بعض التصريحات توحي بأن التدخل الدولي لن يكون فاقول له ان ذلك صحيحا ولكن بعض التصريحات الاخرى تدل على العكس تماما وتوحي بامكانية التدخل الدولي كما أن دول العالم تعرف كيفية ممارسة السياسة الحقيقة ويسيرون وفقا لمقولة( لاثوابت في السياسة وانما مواقف وفق المعطيات ) ، فمثلا بالنسبة لنظام حسني مبارك يقولون انه نظام مفيد من اجل الاستقرار في منطقة الشرق الاوسط ، وفي اليوم التالي حينما يرفضه شعبه يعلنون انه يجب على مبارك التنحي من اجل الاستقرار في منطقة الشرق الاوسط ، وقد يظن الجاهل ان ذلك تناقضا او مكرا ولكنها مرونة سياسية من اجل مصالح اوطانهم وهو مالا يعرفه حكامنا ولا حتى مواطنينا .
لذلك فالشعب السوري والثورة السورية قادرة على ارغام العالم على التدخل وحذف كل الخيارات امام المجتمع الدولي الا خيار التدخل فيصبح التدخل امرا لا مفر له مهما كان ثمنه ، أن الشعب السوري قادر على ذلك ولا شك ولكن هل سيكون برهان غليون والمجلس الوطني السوري في مستوى الثورة السورية ؟
ابورفاد العليي
0 Comments