بعد مقالتي السابقة عن حرب غزة البعض لم يروق له ما كتبته عن ذلك الانتصار
المزعوم ، كما انني ارى كثير من اولئك الذين يدعون انهم خبراء استراتيجيون ، او
محللون سياسيون ، او خبراء عسكريون ... الخ ، يخرجون على القنوات الفضائية
ويحدثونا عن الانتصار العظيم والفتح المبين الذي حققته حركة حماس ، ويبدو ان
الخبرة تلاشت واختفت وانسحبت امام العاطفة فاصبح الخبير يحدثنا بما نحب ان نسمع
وليس بما يجب ان نعرف ، فخبراءنا هم الوحيدون في العالم الذين يقولون لنا ما نريد
سماعة وليس ما يجب علينا معرفته .
اقول وبشكل مختصر جدا ومبسط ان اهداف الحرب دائما اما أن تكون اهداف عسكرية
او سياسية او اقتصادية او بعضها او كلها مجتمعة ، فما هي اهداف اسرائيل من هذه
الحرب ؟ وهل تحققت ام لا ؟
فمن اهداف اسرائيل العسكرية في هذه الحرب اولا : افراغ المخزون من الاسلحة والصواريخ التي
تخزنها حركة حماس ، ثانيا : تجربة القبة الفولاذية ، ثالثا : ارغام حركة حماس
والجماعات الاخري على التوقف عن اطلاق الصواريخ على اسرائيل ، اما الاهداف
السياسية فكان ابرزها جس نبض الربيع العربي واختبار المواقف السياسية المختلفة
عربيا وعالميا بعد الربيع العربي .
بالنسبة للهدف الاول استطاعت اسرائيل استفزاز حماس لتطلق اكبر قدر من
الصواريخ مع قصف المخازن المحددة مما جعل حماس تفرغ اغلب مخزونها من الصواريخ
ولذلك لاحظنا في الايام الاخيرة للحرب ان عدد الصواريخ العبثية الحمساوية تراجع
بشكل كبير جدا ، اما الهدف الثاني وهو تجربة القبة الفولاذية فقد نجحت الى حد كبير
في صد صواريخ حماس مع العلم ان متحدثا عسكريا اسرائيليا صرح بانهم كانو يتركون بعض
الصواريخ تمر عمدا لانهم يرون انها لا ضرر منها لانها ستسقط في مناطق خالية ، ولقد
راينا كيف شكرت اسرائيل امريكا على مساعدتها في انشاء القبة الفولاذية .
اما الهدف الثالث وهو ارغام حماس واتباعها من التوقف عن اطلاق الصواريخ فقد
رأى العالم اجمع كيف قدمت حماس صكا على بياض لاسرائيل دون مقابل تتعهد فيه بالتوقف
عن اطلاق الصواريخ مقابل ان تتفاوض معها اسرائيل بعد 24 ساعة في اذلال واضح لحماس
وراينا كيف ان الصواريخ كانت تنهمر على اسرائيل قبل الحرب ثم اختفت تماما بعد
الحرب ، فلم نرى صاروخا واحدا ولا حتى ذبابة تطير نحو اسرائيل بعد الهجوم
الاسرائيلي .
اما عن الاهداف السياسية فقد نجحت اسرائيل بتطويع الربيع العربي وزجت به في
طريق الوساطة والمفاوضات وجعلت من مرسي مبارك اخر ، فمرسي الذي كان يقدم نفسه على
انه من اعداء اسرائيل اصبح وسيطا لها مع حماس ، الطريف ان مرسي لم يكن ينطق كلمة
اسرائيل ولا مرة واحدة ، فصارت فجأة كلمة اسرائيل تخرج من فمه بكل رحابة ولم يصمد
كثيرا في الصوم عن نطق الكلمة .
واعتقد ان زج مرسي في طريق الوساطة وتحويله الى مبارك اخواني كان نجاحا
باهرا لاسرائيل ، ولقد راينا جميعا كيف شكرت اسرائيل مرسي وكيف شكرته امريكا وهو
بالضبط صورة طبق الاصل مما كان يحدث مع مبارك ، حتى ان خطوة سحب السفير فعلها
مبارك بشكل اكثر حنكة وخبرة اكثر مما فعلها مرسي برعونة وتسرع وسذاجة وسطحية .
وبعد ان كانت مصر والاردن في عهد مبارك ، تغيرت الوكالة بالوساطة الى تركيا ومصر ،
واصبح اردوغان العاجز مع مرسي التائه الحائر وكيلين معتمدين لدى اسرائيل للتفاوض
بشأن ايقاف صواريخ حماس .
هذه هي الحقيقة فاين يختبئ الانتصار الحمساوي المزعوم وسط هذه الاحداث
، لقد اعلنت حركة حماس بنفسها ان تكاليف
الهجوم الاسرائيلي على غزة تجاوز المليار و200 مليون دولا امريكي ، بالاضافة الى ان عدد القتلى تجاوز حتى الان 175 قتيلا ، والجرحى اكثر من 1400 جريح ، فبئس الانتصار الذي ندفع ثمنه اكثر من مليار
دولار من عرق المواطن الغزاوي الكادح ، وبئس الانتصار الذي يكلف 175 قتيلا و1400 جريح ، من عدد سكان غزة الذي لا يتجاوز مليون و800 الف .
فهل يستطيع المواطن الغزاوي ان يتحمل خسارة مبلغ كبير جدا مثل هذا في 10
ايام وهو في امس الحاجة لدرهم ، وهل يمكن ان تتحمل غزة كل هذه الخسائر في الارواح
.
ايها المنتصرون المزعومون ان كان ثمن انتصاركم مليار و200 مليون و175 جثة
و1400 مصاب في 10 ايام فقط فسحقا لكم ولانتصاركم وتبا لكم ولاكاذيبكم .
هذه
الحقيقة وان اردتم لغة العواطف فلنذهب سويا الى غزة ولحتفل فوق ال 175 قبر ولنرقص
رقصة الدفة على قبور القتلى ونهتف باعلى اصواتنا ونقول ، انتصرنا .
0 Comments